.png)
DOWNLOAD
إن عبارة "الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" هي القاعدة الذهبية التي اشتهرت عن الإمام مالك بن أنس (ت. 179 هـ) في التعامل مع صفة الاستواء وغيرها من الصفات الخبرية لله تعالى. هذه القاعدة تمثل جوهر منهج السلف الصالح في هذا الباب.
هل هي تقرير لتفويض المعنى أم إثباته؟
هذه العبارة، على الرغم من بساطتها، تحمل دقة عميقة في منهج السلف. إنها ليست تفويضًا للمعنى كما قد يظن البعض، بل هي إثبات للمعنى مع تفويض الكيفية.
دعنا نفكك العبارة لنوضح ذلك:
"الاستواء معلوم":
- هذا الجزء يؤكد أن معنى الاستواء في اللغة العربية مفهوم وظاهر. الإمام مالك وغيره من السلف كانوا يقرون بالمعنى اللغوي لكلمة "استوى" وهو "علا وارتفع وصعد واستقر". هم لم يُؤولوا الاستواء إلى "استولى" أو "قدر" أو "هيمن"، لأن ذلك تحريف للمعنى اللغوي الظاهر للنص.
- إذن، هذا الجزء هو إثبات للمعنى الظاهر للآية الكريمة، وليس تفويضًا له. فالمعنى معلوم في اللغة، والله خاطبنا بلغة نفهمها.
"والكيف مجهول":
- هذا الجزء هو الذي يتعلق بـالتفويض. هنا، السلف يفوضون علم كيفية استواء الله تعالى إلى الله وحده. هم لا يسألون: "كيف استوى؟" أو "ما هيئة استوائه؟".
- يؤمنون بأن استواء الله على العرش هو استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشبه استواء المخلوقين. فالله ليس كمثله شيء. الكيفية التي استوى بها الله تعالى هي كيفية تخصه ولا يمكن للعقل البشري إدراكها أو تخيلها.
"والإيمان به واجب":
- هذا تأكيد على وجوب التصديق بهذه الصفة كما وردت في القرآن والسنة، دون إنكار أو تكذيب.
"والسؤال عنه بدعة":
- هذا يشير إلى أن الخوض في السؤال عن الكيفية أو البحث في هيئة الصفة هو أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته، وبالتالي فهو أمر محدث في الدين، ويؤدي إلى التعطيل أو التشبيه.
الرد على القول بـ "تقرير لتفويض المعنى" (كما قد ينسبه بعض المتأخرين)
الذين ينسبون للسلف "تفويض المعنى" (أي تفويض علم معنى الاستواء نفسه لله، دون إثبات معنى معين) يخلطون بين منهج السلف ومنهج "المفوضة" الذين ظهروا لاحقًا.
الفروق الجوهرية:
- منهج السلف (مثل الإمام مالك): يثبتون المعنى اللغوي الظاهر للصفة (مثل العلو والاستقرار في الاستواء)، ويفوضون الكيفية.
- منهج بعض المفوضة المتأخرين: يفوضون "المعنى" نفسه، بمعنى أنهم يقولون: "الله أعلم بمراده من هذه الآية، ولا نعلم نحن ما هو المعنى المراد". وهذا المنهج يؤدي إلى تعطيل دلالة النص، ويخالف ما عليه السلف من إثبات المعاني اللائقة بالله.
لماذا يعتبر منهج السلف هو الأصح؟
- اللغة العربية: الله خاطبنا بلسان عربي مبين، فكيف تكون دلالات هذه الألفاظ غير معلومة؟
- الأسوة النبوية: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أنهم كانوا يفوضون معاني الصفات. بل كانوا يفهمون المعنى اللغوي ويسلمون بالصّفة ويفوضون الكيفية.
- الفطرة السليمة: الفطرة البشرية تميل إلى فهم الخطاب الموجه إليها بظاهره.
- اللوازم الباطلة: تفويض المعنى يؤدي إلى القول بأن القرآن الكريم جاء بألفاظ لا يفهمها المخاطبون، وهو أمر لا يليق بجلال الوحي.
الخلاصة: عبارة الإمام مالك "الاستواء معلوم والكيف مجهول" هي تقرير لـ"إثبات المعنى" (الذي هو معلوم لغويًا)، مع "تفويض الكيفية" التي لا يمكن للعقل البشري إدراكها. هذا هو المنهج الذي سار عليه السلف الصالح، وهو المنهج الذي يُثبت لله ما أثبته لنفسه دون تشبيه أو تعطيل، وينزهه عن صفات المخلوقين.
هل تود معرفة المزيد عن هذا الموضوع؟
.jpg)
