كتاب الأدلة الراجحة على وجوب النطق بالبسملة عند قراءة الفاتحة

DOWNLOAD

مسألة النطق بالبسملة عند قراءة الفاتحة في الصلاة من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء على أقوال متعددة، وهذا الاختلاف يعود إلى تباينهم في اعتبار البسملة آية من الفاتحة أو لا، وفي فهم الأحاديث الواردة في ذلك.

القول بوجوب النطق بالبسملة عند قراءة الفاتحة

هذا هو مذهب الشافعية وبعض السلف، ويرون أن البسملة آية من الفاتحة، وبالتالي يجب قراءتها كجزء لا يتجزأ منها.

الأدلة الراجحة التي يستندون إليها:

1. عدها آية في المصحف: يرى الشافعية ومن وافقهم أن البسملة آية من الفاتحة؛ لأنها عُدَّت في المصحف الشريف آية رقم (1) في سورة الفاتحة. وهذا العد القرآني توقيفي، أي أنه مبني على ما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة. (وهذا هو أحد أوجه العد، فهناك أوجه عد أخرى لا تعدها آية من الفاتحة، وهو ما يفسر اختلاف العلماء).

2. الأحاديث التي تدل على أنها آية من الفاتحة:

   • ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم عد "بسم الله الرحمن الرحيم" آية من الفاتحة. فعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة "بسم الله الرحمن الرحيم"، وعدها آية، والحمد لله رب العالمين آيتين...". (هذا الحديث وإن كان فيه كلام عند بعض المحدثين من حيث رفعه أو وقفه، إلا أنه من أقوى أدلة الشافعية).
   • الاستدلال بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قرأتم الحمد لله فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها". (صححه الألباني موقوفًا على أبي هريرة، وصحح ابن حجر كونه موقوفًا).

3. قول جماعة من الصحابة والتابعين: ثبت عن بعض الصحابة كابن عباس وابن الزبير وأبي هريرة، وبعض التابعين كعطاء وطاووس ومكحول، أنهم كانوا يرون البسملة آية من الفاتحة.

4. عموم الأمر بالقراءة في الصلاة: بما أن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، فإذا كانت البسملة جزءاً منها، وجب قراءتها معها.

5. المبالغة في تعظيم أسماء الله: يرى الشافعية أن الجهر بالبسملة وتعظيمها في بداية كل سورة، خاصة الفاتحة، هو من تعظيم شعائر الله.

الخلاصة في مذهب الشافعية:

يرى الشافعية أن البسملة آية من الفاتحة، ويجب قراءتها في الصلاة، ويُسن الجهر بها في الصلوات الجهرية (كالمغرب والعشاء والفجر) والإسرار بها في الصلوات السرية (كالظهر والعصر).

---

أقوال المذاهب الأخرى باختصار:

• المالكية: المشهور عندهم أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من أي سورة أخرى (إلا في سورة النمل). ويكرهون قراءتها في الصلاة جهراً وسراً. لكن بعضهم رأى قراءتها سراً خروجًا من الخلاف.
• الحنفية: يرون أنها آية مستقلة نزلت للفصل بين السور، وليست جزءاً من الفاتحة. ويقولون بقراءتها سراً مع الفاتحة في كل ركعة.
• الحنابلة: المشهور عندهم أنها ليست آية من الفاتحة، ولكنهم يستحبون قراءتها سراً قبل الفاتحة في كل ركعة.

الترجيح:

الخلاف في هذه المسألة قوي ومعتبر، وكل مذهب له أدلته التي يستند إليها. ولذلك، فالأمر فيه سعة. القول الراجح عند كثير من أهل العلم المعاصرين هو أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من سائر السور (إلا آية من سورة النمل)، وأن قراءتها في بداية الفاتحة وفي بداية كل سورة سنة مستحبة، وليست واجبة. ويستدلون بأدلة منها:

• حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها". (صحيح مسلم) وهذا الحديث يدل على عدم جهرهم بها، وفسر بعض العلماء عدم ذكرها بأنه عدم قراءتها أصلاً.
• الاختلاف في كونها آية يدل على أنها ليست آية من الفاتحة أصلاً، فلو كانت آية لاختلف فيها المسلمون.

مع ذلك، فإن قراءة البسملة قبل الفاتحة خروجاً من الخلاف أمر مستحسن، ومن تركها فصلاته صحيحة على مذهب جمهور العلماء. والأفضل للمسلم أن يتبع ما ترجح له بالدليل، أو يتبع ما عليه مذهب علماء بلده أو من يثق بعلمه.