طعون المعاصرين في أحاديث الصحيحين بدعوى مخالفة القرآن الكريم نبيل

DOWNLOAD

الطعون المعاصرة في أحاديث الصحيحين (البخاري ومسلم) بدعوى مخالفتها للقرآن الكريم هي ظاهرة ليست بجديدة تمامًا، ولكنها زادت وتيرتها في العصر الحديث، وتُثار من قبل فئات مختلفة لها توجهات فكرية متعددة، مثل العقلانيين، والقرآنيين (الذين يزعمون الاكتفاء بالقرآن)، وبعض الفرق الأخرى.

الأصول المنهجية للرد على هذه الطعون:

الرد على هذه الطعون يستند إلى أصول علمية ومنهجية راسخة في الإسلام، أهمها:

1. السنة النبوية وحي من الله: القرآن الكريم نفسه يأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سنته. فالسنة النبوية هي الوحي الثاني الذي يفسر القرآن ويبين أحكامه ويُفصل مجمله. قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7]. وقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
2. لا تعارض حقيقي بين صحيح السنة والقرآن: مبدأ أساسي عند أهل العلم أن الصحيح الثابت من السنة النبوية لا يمكن أن يتعارض مع القرآن الكريم تعارضًا حقيقيًا لا يقبل الجمع أو التوفيق. فالمصدر واحد وهو الوحي الإلهي. وإذا بدا للبعض تعارض، فذلك يرجع إلى أحد الأسباب التالية:
   • سوء الفهم أو الجهل باللغة العربية وأساليبها: قد يكون التعارض ناتجًا عن فهم خاطئ لنص قرآني أو حديث نبوي، أو عدم الإلمام بقواعد اللغة والبلاغة.
   • الجهل بأصول التفسير والحديث: النصوص الشرعية تُفهم في سياقها العام والخاص، وقد يكون هناك عام ومخصص، أو مطلق ومقيد، أو مجمل ومفسر، أو ناسخ ومنسوخ. والعارف بأصول التفسير والحديث يُدرك هذه الفروق.
   • عدم الإلمام بمراد الشارع: قد يكون الحديث يوضح حكمة أو مقصداً شرعياً لا يُفهم من ظاهر النص القرآني وحده.
   • الجهل بالناسخ والمنسوخ: قد يكون هناك حديث ناسخ لحكم قرآني أو قرآني ناسخ لحكم حديثي (وإن كان النسخ من السنة للقرآن محل خلاف بين العلماء، إلا أن هذا لا ينفي وجود التخصيص أو البيان).
   • عدم صحة الحديث: في بعض الأحيان قد يستشهد الطاعنون بأحاديث ضعيفة أو موضوعة على أنها صحيحة، ثم يزعمون أنها تخالف القرآن.
3. عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في التبليغ: النبي صلى الله عليه وسلم معصوم فيما يبلغه عن الله تعالى. فما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما هو من الوحي الذي لا يخطئ.
4. منهجية المحدثين في الصحيحين: الإمامان البخاري ومسلم بذلا جهودًا جبارة في نقد الأحاديث وتمييز الصحيح من السقيم، ووضعوا قواعد صارمة لقبول الرواية. وتلقي الأمة لكتابيهما بالقبول يعتبر إجماعاً على صحة ما فيهما من حيث الجملة.

أمثلة لبعض الشبهات والرد عليها:

يتناول الطاعنون أمثلة عديدة، ومن أشهرها:

• حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم: يزعمون أنه يخالف عصمة النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في القرآن.
  • الرد: السحر مرض من الأمراض التي تُصيب البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر، وهذا لا يُنافي عصمته في التبليغ عن الله. فالنبي لم ينسَ القرآن أو يُخل بتبليغ الرسالة بسبب السحر. والسحر المذكور في الحديث كان سحراً جسدياً أثر على بعض حواسه الظاهرة وليس على عقله أو تبليغه.
• حديث "ناقصات عقل ودين": يزعمون أنه يتعارض مع تكريم المرأة في الإسلام.
  • الرد: هذا الحديث لا ينقص من قدر المرأة، بل يُشير إلى طبيعة فسيولوجية وشرعية. فنقصان العقل يُفسر بأن شهادة المرأة في بعض الحالات على النصف من الرجل (لزيادة الاحتياط في الحقوق)، ونقصان الدين لكونها لا تصوم ولا تصلي في فترة الحيض والنفاس، وهذا من التخفيف والرحمة بها، وليس نقصاً في الأجر أو المرتبة عند الله.
• حديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله": يزعمون أنه يخالف آيات حرية الاعتقاد.
  • الرد: هذا الحديث يُفهم في سياقه، وهو قتال المعتدين والمحاربين، وليس قتال كل من لا يُسلم. الإسلام كفل حرية الاعتقاد {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]. وهذا الحديث يُفسره فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب وغيرهم الذين لم يُجبروا على الإسلام.
• أحاديث الرجم: يزعمون أنها تخالف آية الجلد في القرآن.
  • الرد: آية الجلد (سورة النور) نزلت في حق الزاني البكر (غير المتزوج)، بينما الرجم للزاني المحصن (المتزوج). وهذا من باب تخصيص السنة لعموم القرآن أو زيادة السنة على القرآن، وهو أمر مقرر في أصول الفقه. والقرآن نفسه أشار إلى وجود ما أنزل الله تعالى من أحكام لم تكن في القرآن، ففي قوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] يشير إلى وجود نسخ للآيات.

خلاصة:

الطعن في أحاديث الصحيحين بحجة مخالفتها للقرآن الكريم غالبًا ما ينبع من:

• جهل بأصول التفسير والحديث واللغة العربية.
• اتباع الهوى والتأويلات الباطلة.
• محاولة هدم السنة النبوية كمصدر للتشريع، وهو ما يؤدي إلى هدم الإسلام نفسه.

العلماء يردون على هذه الشبهات بمنهج علمي رصين، مبينين أن لا تعارض حقيقي بين القرآن والسنة الصحيحة، وأن السنة هي الشارح والمبين والمفصل للقرآن الكريم.